(ديوجانس الناسك الحكيم، يحمل سراجه باحثاً به عن الإنسان)
(ديوجانس الناسك الحكيم، يحمل سراجه باحثاً به عن الإنسان)
بملابسه المتواضعة الممزقة ها هو يحمل سراجه المنير الشعلة، ويسير في وضح
النهار في مداد طريق ترابي قديمة يبحث ويدقق في نظره بين الحصى..
الناس المارة تستعجب لحال الحكيم، فهو على هذه الحال منذ الصباح
ماذا تفعل ياحكيم ديوجانس؟ يسأله المارة بشغف وتلهف واستهجان لسلوكه الغامض
ينظر الحيكم إليهم ويبتسم ثم يتابع بحثه
فيسألونه مجدداً ويعاودون السؤال
فيجيب بوجه ضحوك:
لقد فقدت شيئاً هام أبحث عنه أنتم لن تجدوه فارحلوا لعملكم
يستهجنون سؤاله وغموضه يجبرهم للسؤال مجدداً
ما أنت فاعل ايها الحكيم؟ ما الذي تبحث عنه وتضيء بالسراج عليه ونحن في وضح النهار والشمس في كل مكان؟
فقال ديوجانس بعد أن نظر إلى الشمس ووجه عصاه إليها مشيراً إليها:
تلك الشمس بماذا تذكركم؟
الجميع ينظرون لبعضهم بدهشة، لا نعلم ايها الحكيم
فيجيب ديوجانس: لن تعرفوا لأنكم لستم هنا، أنتم هنا هياكل آدمية منظورة هشة مفرغة من الروح وأنا أبحث عن الروح التي جسدت الإنسان، إن أبحث عن الإنسان ولا أجده أجد حصى من كل الأشكال بالملايين ولا أجد بغيتي بينها
ارتج أحدهم لسؤال الحكيم ديوجانس وفهم أبعاده، فسأله:
أيها الشيخ الجليل، ومن عرف إنسان قلبه ووعى نفسه بينها اليقين، ماذا يفعل إن اعترضته الحصى؟
فتح ديوجانس عينيه، وربت بيده على كتف الشاب، وقال له:
بوركت أيها النبيل وأنت نديم الدرب النبيل
فاعلم يا بني: أن النهر الجارف الذي يصب ممره في البحر الواسع المحيط، لا توقفه حصى صغيرة، فإن حاولت الحصى عبثاً أن توقفه فهي تخدع نفسها بلاشك لأنها ضئيلة الحجم محدودة القوى وقزمة الشكل، فسرعان ما سيجرفها التيار الهادر ليسقطها في البحر إن شاءت ذلك أو أبت
تذكر يا ولدي: أن النهر الجارف هو الإنسان النبيل الذي يصنع المعجزات في حلوله ومغيبه إنه ترسيخ لإرادة الخير الذي جهلت معدنه النفيس الشعوب، وسارت عوضاً في ظلال، سأقول لك ما يبهج قلبك:
انظر إلى قطيع الماعز والأغنام ذاك راقبهم حتى يغادرون، ماذا رأيت خلفهم؟
أبسم الشاب وجهه وقال: نعم رأيت فضلات البعر تملأ الدرب وتنتشر فيه ملوثة إياه،
قال ديوجانس: أحسنت الجواب، ماذا تشعر الآن؟
أجاب الشاب: أشعر برغبة عارمة لأن أحمل مكنسة وأنظف الدرب من فضلات البعر لأنها لوثت جمال الحاضر وخدشت إحساسي البصري، أريد أن أعيد الدرب على مد رؤيتي نظيفاً جميلاً كما كان
قال ديوجانس: أحسنت وكذا الشاذين الذين فقدوا صورة الإنسان في داخلهم واعتراهم النقص والإسفاف والتعبير النتن العفن والتململ والغضب الأحمق وميول الشر والتخريب هؤلاء أسميهم لك فضلات البعر التي تخلفها الماعز والأغنام، وما وجودهم سوى إرشاد لأصحاب الحضور الإنساني أن يهمون إلى التنظيف وأزالة فضلات العفونات ونتانتها لإعادة طريق الجمال مهذباً نظيفاً منفتحاً على ملأه لاستقبال الحب التلاحمي الذي بدده هؤلاء بمكوثهم الخبيث،
إنهم مجرد آدوات تستخدمها الأقدار لخلق مشاعرك بقيمة التعقيم وبقيمة ما تفعل من سلوك رصين نبيل، فلا تقف عندهم، النهر الجارف لا يقف عند حصى صغيرة،
فاستمر
نظر الشاب في عيني الحكيم: وقال له:
نعم يا أبتي فهمت دربي
تعاليم الشفاء الأثيري